من أشرف بن شرقي إلى راشفورد... تعاطي السنوس يفضح نجوم المستطيل الأخضر

في مشهد أثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرت الصفحة الرسمية للنادي الأهلي إلى حذف صورة للاعب المغربي أشرف بن شرقي، بعد ساعات قليلة من نشرها، بسبب ظهور عبوة مشبوهة بجواره أثناء رحلة الفريق من ميامي إلى نيوجيرسي.

الصورة، التي التُقطت داخل طائرة الفريق، أظهرت عبوة يُشتبه بأنها مادة "سنوس" – وهو أحد منتجات التبغ غير المدخن – ما فجر عاصفة من التساؤلات حول مدى انتشار هذه المادة بين اللاعبين، وتحديدًا في الأندية الكبرى التي يُفترض أنها تخضع لرقابة طبية صارمة.

ما هو السنوس؟ ولماذا يُثير القلق؟
"السنوس" أو "snus" هو نوع من التبغ الجاف، يُوضع بين اللثة والشفاه لامتصاص النيكوتين مباشرة في مجرى الدم، دون الحاجة إلى تدخينه.
وعلى الرغم من أن هذه المادة ليست مُدرجة ضمن قائمة المنشطات المحظورة من قبل "وادا" حتى الآن، إلا أن خبراء الصحة يُجمعون على أنها شديدة الخطورة، وتتسبب في أضرار صحية جسيمة، تبدأ من سرطان الفم واللثة، ولا تنتهي بإدمان النيكوتين.
وقد كشفت دراسات منشورة في المجلة الطبية الأميركية أن كمية النيكوتين التي يمتصها الجسم من جرعة سنوس واحدة تُعادل تدخين 10 سجائر دفعة واحدة، وهو ما يفسر قدرتها السريعة على التسبب في الإدمان، خصوصًا عند الرياضيين الذين يبحثون عن وسائل "غير تقليدية" لتحسين التركيز أو التهدئة.
غياب رقابة طبية أم تجاهل للمخاطر؟
الإعلامي أحمد حسام "ميدو" كان قد تحدث في تصريحات تلفزيونية سابقة، مؤكداً أن "نحو 50% من لاعبي الدوري المصري يتعاطون مادة السنوس"، مشيرًا إلى أنه "يُجلب عادة من الخارج، وخاصة من دبي"، ويُستخدم قبل المباريات اعتقادًا منهم أنه "يساعد على الاسترخاء وزيادة التركيز".
نداءات وتحذيرات من خبراء الإدمان
الدكتورة نسرين دلباز، أستاذة الطب النفسي والإدمان، حذّرت في تصريحات سابقة من خطورة السنوس، مشيرة إلى أنه "يؤدي إلى تحميل الجسم بكمية مفرطة من النيكوتين، تُشبه تدخين عشرات السجائر في دقائق، ما يجعله من أسرع مسببات الإدمان".
كما أكد الدكتور محمد أبو العلا، رئيس الجهاز الطبي للمنتخب المصري سابقًا، أن السنوس انتشر بالفعل في معسكرات المنتخب بين بعض اللاعبين، واصفًا إياه بـ"الموضة القاتلة" التي لا يدرك خطورتها كثير من اللاعبين.
هل هناك تقصير من الجهات الرقابية؟
في المقابل، كشف أحد لاعبي الدوري – رفض الكشف عن اسمه – أن السنوس موجود بكثرة في معسكرات الفرق الكبرى، ويُستخدم قبل المباريات من أجل "تهدئة الأعصاب"، وسط غياب تام لأي رقابة طبية حقيقية أو تحذيرات داخل الأندية.
واقعة بن شرقي ليست الأولى.. فضائح بالدوري الإنجليزي
في الدوري الإنجليزي الممتاز، التُقطت عدة صور أثارت جدلاً مشابهًا، أبرزها تلك التي ظهر فيها بيرتراند تراوري، لاعب أستون فيلا، وهو يرفع شفته العليا بشكل يوحي بوضع شيء بجانب اللثة، أثناء جلوسه على مقاعد البدلاء خلال مباراة أمام أرسنال. ورغم نفي اللاعب تناوله للسنوس، إلا أن المشهد لم يمر مرور الكرام.
وفي مشهد مماثل، لم يكن الحارس الثالث لنيوكاسل يونايتد، مارك جيليسبي، يدرك أن الكاميرا رصدته أثناء إدخال شيء أسفل شفته، بينما ظهرت علبة سنوس بجوار ماركوس راشفورد في إحدى الصور، لكنه فضل الصمت وعدم التعليق.

بل إن هناك لاعبين مثل ماركو رويس وكريم بنزيمة وجيمي فاردي اتهموا جميعًا باستهلاكه سواء بشكل علني أو خفي.
السنوس.. من العلكة إلى السرطان... الطريق قصير
يُباع السنوس في عبوات صغيرة تشبه أكياس الشاي، وغالبًا ما يُستخدم بجانب العلكة، ما يسمح بامتصاص النيكوتين مباشرة عبر الأغشية المخاطية، هذا الامتصاص السريع يمنح اللاعبين شعورًا بالهدوء أو النشاط حسب الكمية، لكنه في الوقت نفسه يُمثل بوابة خطيرة للإدمان ومشاكل صحية مزمنة.
د. جيمس مالون، المحاضر في جامعة ليفربول، يؤكد أن "السنوس لا يقل خطرًا عن التدخين، بل يتفوق عليه من حيث التغلغل المباشر إلى مجرى الدم، وقد يؤدي إلى سرطان الفم والحلق، واضطرابات القلب، وتلف اللثة".
وتشير دراسات طبية إلى أن السنوس يبطئ من تعافي العضلات بعد الإصابات، ويؤثر على جودة النوم، ويزيد من خطر الإصابة بمرض السكري، ما يُمثل تهديدًا مباشرًا لصحة اللاعبين وأدائهم البدني.
من الأندية الكبرى إلى الهواة... "ثقافة سامة" تنتشر
قال لي جونسون، مدرب هيبرنيان الاسكتلندي، في تصريحات لصحيفة "ذا أثليتيك"، إن نحو 40% من لاعبي الدوري الإنجليزي يتعاطون السنوس، مضيفًا: "الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى لأن بعض اللاعبين لا يعترفون باستخدامه".
وأكد جونسون أن السنوس لم يعد مجرد سلوك فردي، بل تحوّل إلى ظاهرة جماعية يصعب كبحها، حتى في أندية النخبة مثل مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي، مشددًا على أن "اللاعبين صغار السن، بين 16 و21 عامًا، يتعاطونه دون إدراك لعواقبه".
وحاولت بعض الأندية الإنجليزية منع استخدام السنوس بفرض غرامات مالية وصلت إلى 250 جنيهًا إسترلينيًا على كل من يُضبط وهو يتعاطاه، لكن هذه الإجراءات باءت بالفشل، إذ سُمح باستخدامه بشرط عدم ظهوره أمام الجماهير.
تحذيرات لم تنقذ اللاعبين
كشفت "ذا أثليتيك" أن أحد لاعبي دوري الدرجة الثانية أصيب بسرطان اللثة بسبب الإفراط في استخدام السنوس. في حين بدأت رابطة اللاعبين المحترفين البريطانية دراسة جديدة لتحذير اللاعبين من مخاطره.
أما عن الأسباب النفسية، فيؤكد أحد اللاعبين السابقين أن "التجربة الأولى عادة ما تكون بدافع الفضول أو الهروب من التوتر قبل المباريات"، مضيفًا: "بمرور الوقت، يتحول الأمر إلى إدمان لا يمنحك أي تأثير فعلي، لكنه يسحبك تدريجيًا نحو الاعتياد الخطير".