ذا أثلتيك ترد على أسئلة محمد صلاح حول وفاة “بيليه الفلسطيني”

أفردت صحيفة ذا أثلتيك البريطانية تقريرًا موسعًا عن رحيل أسطورة الكرة الفلسطينية سليمان عبيد، الذي لقي حتفه في خان يونس أثناء محاولته جلب المساعدات لأسرته.
التقرير سلط الضوء على المسيرة الكروية للاعب الملقب بـ"بيليه الفلسطيني"، وعلى ظروف مقتله المأساوية، لكنه توقف بشكل خاص عند رد فعل النجم المصري محمد صلاح، الذي وجّه سؤالًا صريحًا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" عبر حساباته الرسمية: "هل يمكنكم أن تخبرونا كيف مات، وأين، ولماذا؟"
وجاء تعليق صلاح بمثابة انتقاد مباشر لغياب ذكر إسرائيل في بيان اليويفا، وهو ما اعتُبر موقفًا نادرًا وحاسمًا من أحد أبرز نجوم كرة القدم في العالم تجاه ما يحدث في غزة.

ففي السادس من أغسطس 2025، غادر اللاعب الدولي الفلسطيني السابق سليمان عبيد مدينة غزة متوجهًا إلى خان يونس جنوب القطاع، في محاولة للحصول على مساعدات غذائية لأسرته.
لم يكن يرغب في الذهاب، فقد اعتاد أن يصف لزوجته خلال رحلاته السابقة مشاهد الرصاص المتطاير حوله قائلًا: "كأنها أمطار تتساقط على رأسي" لكن خمسة أطفال ينتظرونه في خيمته، جعلوا من تلك المغامرة خيارًا لا مفر منه.
عبيد، الذي ارتدى قميص منتخب فلسطين في 24 مباراة دولية، واعتُبر واحدًا من أعظم من أنجبتهم ملاعب غزة، وجد نفسه مثل بقية السكان مهددًا بالمجاعة.
صحيفة نيويورك تايمز كانت قد نشرت مؤخرًا تقريرًا يستند إلى مجموعة أمن غذائي مدعومة من الأمم المتحدة، أكدت فيه أن المجاعة باتت واسعة الانتشار في غزة بفعل القيود الصارمة المفروضة على دخول المساعدات ضمن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حركة حماس.
مقتل عبيد تحت نيران المسيّرات
بحسب روايات أصدقائه الذين رافقوه، قُتل سليمان عبيد (43 عامًا) في موقع توزيع المساعدات، بعد استهدافه بقذائف ألقتها طائرة رباعية إسرائيلية.
يؤكد رفاقه وعائلته أنه كان مدنيًا، وأنه لم يحمل يومًا سوى رسالة السلام وكرة القدم وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن 1373 فلسطينيًا قُتلوا منذ 27 مايو أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء.
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA نشر عبر حساباته: "وداعًا سليمان عبيد، بيليه الفلسطيني.. موهبة منحت الأمل لآلاف الأطفال حتى في أحلك الظروف."
لكن النجم المصري محمد صلاح، نجم ليفربول وأحد أشهر لاعبي العالم، رد على المنشور قائلًا: "هل يمكنكم أن تخبرونا كيف مات، وأين، ولماذا؟"
سؤال صلاح بدا كأنه نقد مبطن لتجاهل الاتحاد الأوروبي الإشارة إلى مسؤولية إسرائيل المباشرة عن مقتله.
منشوره تمت مشاركته مئات الآلاف من المرات، ليصبح من أندر المواقف العلنية التي يتخذها لاعب عالمي بارز حول الصراع في غزة.
شهادة العائلة.. "أطفالي أيتام بلا معيل"
صحيفة ذا أثلتيك أجرت مقابلات مع زوجته وأصدقائه وزملائه، في محاولة للإجابة عن أسئلة صلاح ورواية القصة كاملة.
زوجته دعاء تقول من خيمتها في غزة: "العالم كله يجب أن يسأل: لماذا قُتل سليمان بهذه الطريقة الوحشية؟ ماذا فعل أطفاله ليُيتموا وهم في هذا العمر؟ حياتنا انهارت بعد رحيله، فقد كان سندنا الوحيد، وكان عائلنا الوحيد بعد وفاته، لا أحد يستطيع مساعدتنا.. حياتنا دُمِّرت."
أيقونة الملاعب الفلسطينية
اسم سليمان عبيد ارتبط بهدف تاريخي عام 2010 في بطولة اتحاد غرب آسيا بالأردن، حين سجّل مقصية رائعة أمام اليمن، وهو الهدف الأول لفلسطين في البطولة منذ ست سنوات.
الحارس الفلسطيني رمزي صالح الذي شاركه الملعب يومها وصفه قائلًا: "ذلك الهدف ربما كان الأجمل في تاريخ المنتخب الفلسطيني.. سليمان سيبقى دائمًا في القلب، ليس في قلبي فقط، بل في قلوب كل من عرفه."
عبيد كان لاعبًا متعدد الأدوار في الخط الأمامي، بدأ مشواره في شباب الشاطئ، ثم انتقل إلى مركز شباب الأمعري حيث فاز بلقب الدوري عام 2011، قبل أن يعود إلى غزة ويصبح أحد أبرز نجوم نادي غزة الرياضي تصدر قائمة الهدافين لثلاثة مواسم متتالية، وأصبح رمزًا كرويًا وجماهيريًا.
حتى سبتمبر 2023، وفي عمر 42 عامًا، كان يصرّح قائلًا: "لا أفكر في الاعتزال." لكن كل شيء توقف فجأة مع اندلاع الحرب في أكتوبر من نفس العام، حين ألغيت مباراة فريقه أمام خدمات رفح بعد أن دوّت أصوات الانفجارات في الطريق إلى الملعب. لم يلعب بعدها أي مباراة رسمية.
"بيليه" و"هنري" في آن واحد
عُرف عبيد بلقب "بيليه الفلسطيني"، لكن زملاءه كانوا يلقبونه أيضًا بـ"هنري"، تشبيهًا بالنجم الفرنسي تييري هنري الذي كان أسلوبه الأقرب إلى طريقة لعب عبيد.
زميله إبراهيم العمور، الذي رافقه طويلًا في غزة الرياضي، وصفه بأنه لم يكن مجرد لاعب، بل صديقًا مقربًا وأخًا لا يُعوض.
أما اللاعب محمد علي مهنا، فاعتبره "موهبة فذة وأهدافه لا تُنسى"، مضيفًا أن رحيله يمثل خسارة إنسانية ورياضية في آن واحد.
النهاية المأساوية
لم يكن سليمان عبيد ضحية حرب فحسب، بل رمزًا لتقاطع الرياضة مع المأساة الإنسانية في غزة.
لقد حمل أحلام الجماهير على أكتافه، وأسعدهم بأهدافه، لكنه رحل في طابور المساعدات، تاركًا وراءه خمسة أطفال بلا عائل، وأمة بأكملها تتساءل: "لماذا قُتل؟"