باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
محمد عبد الرحمن

الاحتراف الوهمي.. حين يتحول حلم اللاعب المصري إلى كابوس

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كل لاعب كرة قدم صغير في مصر يحلم بأن يلبس قميص نادي محترف، و يسمع اسمه في المدرجات، ويقف يوما ما بقميص المنتخب الوطني والجمهور يهتف له: “هو ده.. هو صلاح الجديد”.

لكن أحيانا، هذا الحلم الجميل يتحول إلى كابوس، كابوس اسمه “الاحتراف الوهمي” عندما يصبح الاحتراف مجرد عنوان يخفي وراءه شبكة من الوعود الكاذبة والاحتيال والاستغلال.

حلم يتحول إلى وهم

في السنوات الأخيرة، بدأت تنتشر في مصر قصص غريبة تثير القلق، عن وسطاء يتواصلون مع لاعبين صغار أو أسرهم، ويقدمون عروضا مغرية بالاحتراف في الخارج، مقابل مبالغ مالية مصاريف سفر.

واللاعب يدفع المال، ويسافر، لكنه هناك لا يجد عقدا ولا ناديا ولا فرصة، أو أحيانا يكون النادي مجهولا أو غير معترف به، وأحيانا يترك اللاعب وحده في الغربة بلا راتب ولا حماية.

وفي بعض الحالات، لا يكون هناك سفر من الأساس  بل مجرد خدعة تمارس داخل مصر، عبر أكاديميات أو قطاعات ناشئين تطلب مبالغ مالية مقابل وعود بالتصعيد أو الانتقال إلى نادي كبير، دون أن يحدث شيء فعلي في النهاية.

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ظاهرة إفريقية مقلقة

ظاهرة “الاحتراف الوهمي” ليست حكرا على مصر، بل في غرب أفريقيا مثلا، تحول الأمر إلى كابوس جماعي.

تقرير صادر عن FIFPRO Africa كشف أن أكثر من 70% من اللاعبين في سبع دول أفريقية تلقوا عروضا من أشخاص يدعون أنهم وكلاء يمكنهم نقلهم لنادي أوروبي، لكن أكثر من نصفهم لم يحصلوا على التجربة، وقرابة نصفهم الآخر لم يوقع أي عقد رسمي.

الأسوأ أن كثيرا من هؤلاء اللاعبين دفعوا مبالغ مالية مقابل تلك الوعود الكاذبة، فيما قال عدد منهم إنهم لم يتلقوا أي توعية حول كيفية التعامل مع الوكلاء أو معرفة من هو المرخص والمعتمد منهم.

في بعض الحالات وصلت الأمور إلى حدود مروعة، في أكتوبر 2025، اهتزت السنغال على وقع جريمة مروعة راح ضحيتها اللاعب الشاب شيخ توريه (18 عامًا)، حارس شنغالي من الناشئين، الذي تم استدراجه إلى غانا عبر كشافين وهميين وعدوه بتجربة احترافية، قبل أن يختطف ويقتل بعد فشل أسرته في دفع فدية مالية، حادثة هزت القارة بأكملها، وفضحت حجم الخطر الذي تمثله شبكات “الاحتراف الوهمي”.

لماذا تحدث هذه الظاهرة؟

وراء كل هذه القصص مجموعة من الأسباب المتشابكة: أولها هو الطموح الكبير لدى اللاعبين الشباب وأسرهم، بالنسبة للكثيرين، الاحتراف في الخارج ليس فقط حلم الشهرة، بل مخرج من الفقر والظروف القاسية، هذا الطموح يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال.

وثانيها نقص الوعي فالكثير من الأسر لا تعرف كيف تميز بين الوكيل المرخص والمحتال، ولا تملك معرفة كافية بحقوق اللاعب أو تفاصيل التعاقد.

كما أن ضعف الرقابة على الأكاديميات والوكلاء يزيد الطين بلة، إذ يعمل كثيرون في الظل دون تراخيص أو إشراف من الاتحاد المحلي أو الفيفا.

أما السبب الرابع فهو ضعف البنية الاحترافية داخل البلاد، فالأجور المنخفضة وضعف الاهتمام بالناشئين في بعض الأندية يجعل الحلم الخارجي أكثر بريق، حتى لو كان زائف.

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الوجه المصري من القصة

في مصر، لا تختلف الصورة كثيرا وإن كانت تأخذ طابعا أكثر هدوء، حيث أن كثير من أولياء الأمور يتحدثون عن أكاديميات تطلب مبالغ مالية مقابل تسجيل اللاعب في قطاع الناشئين، مع وعود بأن يتم تصعيده أو ترشيحه لنادي كبير.

لكن في أغلب الحالات، لا تكون هناك متابعة حقيقية، ويكتشف اللاعب لاحقا أنه مجرد “اسم في ورقة” أو رقم في سجل إداري.

هذا النموذج المعروف في الخارج باسم “Pay to Play” أي “الدفع مقابل اللعب”، حيث  يعتبره خبراء الرياضة شكل من أشكال الاستغلال، لأنه يخلط بين التدريب كمهنة وبين استثمار الوهم في طموح الأسر.

ورغم أن الأرقام المحلية غير متوفرة بدقة، إلا أن النماذج المتكررة من قصص نصب ووعود احترافية مزيفة تشير إلى أن مصر ليست بعيدة عن الظاهرة التي تغزو القارة.

خسائر على كل المستويات

الاحتراف الوهمي لا يدمر فقط مستقبل اللاعب، بل يهز الثقة في المنظومة الرياضية بالكامل، كما الأسر تخسر علي المستوي المادي،حيث أن اللاعب يخسر سنوات من عمره، وتضيع الموهبة في زحام الوعود الكاذبة.

أما من الناحية النفسية، فالاكتشاف أن الحلم كان خدعة يترك أثر سلبي في نفس اللاعب، وربما رغبة في ترك اللعبة نهائيا.

كما أن تلك الممارسات تشوه صورة الانتقال الخارجي، وتفتح الباب أمام شبكات استغلال تتاجر بأحلام الشباب تحت لافتة الاحتراف.

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

من يربح من هذا الكابوس؟

الربح في هذه العمليات واضح حيث يكون لصالح الوسيط أو الكشاف و الذي يحصل على أموال ضخمة من كل لاعب، وفي بعض الأحيان  يكون بالاتفاق مع بعض الكيانات الرياضية. 

وفي تقرير لمنظمة ENACT Africa، تبين أن بعض هؤلاء الوسطاء يجنون الاف الدولارات من كل لاعب يقنعونه بالسفر لتجربة احترافية غير موجودة أصلا.

وفي بعض الدول، تنشأ أكاديميات وهمية هدفها فقط جمع الأموال من الأسر، دون أي نشاط تدريبي أو عقد حقيقي.

ما الحل للقضاء علي تلك الظاهرة؟

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب عمل جماعي من الأندية والاتحاد المصري لكرة القدم ووزارة الشباب والرياضة والإعلام.

في مقدمة الحلول يأتي تنظيم سوق الوكلاء، من خلال قائمة رسمية للوكلاء المعتمدين والمرخصين من الاتحاد المصري والفيفا، ومنع أي تعامل مع غيرهم.

كما يجب تشديد العقوبات على من يروج لعروض وهمية أو يحصل على أموال دون عقد رسمي، أما على صعيد التوعية، فيجب إطلاق حملات موجهة للاعبين وأسرهم لتثقيفهم حول أسئلة بسيطة لكنها ضرورية: هل الوكيل مرخص؟ هل العقد واضح؟ من يتحمل تكاليف السفر؟

إضافة إلى ذلك، على الأندية أن تطبق شفافية مالية واضحة في عمليات تسجيل الناشئين، وأن توضح ما تقدمه مقابل أي رسوم تدفع.

ويمكن أيضا الاستفادة من التكنولوجيا عبر إنشاء منصة إلكترونية وطنية تتيح التحقق من تراخيص الوكلاء والعروض والنادي الذي يقدم التجربة، لحماية اللاعبين من الوقوع في الفخ.

حماية الحلم الحقيقي

مصر تملك الاف المواهب التي تحلم بالاحتراف، لكن هذه المواهب بحاجة إلى منظومة تحميها، لا من يستغلها.

الاحتراف الحقيقي لا يبدأ بدفع رسوم ولا بوعود سريعة عبر الهاتف، بل بتدرج طبيعي داخل الأندية، وبعقود واضحة وتخطيط مهني.

حماية الحلم لا تقل أهمية عن تحقيقه، فكل لاعب يستحق أن يعيش حلمه في ملعب حقيقي، لا أن يجد نفسة في بلد غريب بعد أن خسر كل شيء… حتى الأمل.

تم نسخ الرابط